التمكين بمواجهة التقاليد.. الأميرة أيكو تعيد فتح ملف المساواة في الخلافة اليابانية

التمكين بمواجهة التقاليد.. الأميرة أيكو تعيد فتح ملف المساواة في الخلافة اليابانية
الأميرة اليابانية أيكو

يعكس الجدل الدائر حول مستقبل الأميرة اليابانية أيكو أكثر من مجرد نقاش ملكي يتعلق بترتيبات وراثة العرش، إذ يكشف بوضوح عن صراع عميق بين تقاليد تاريخية راسخة ومطالب حديثة بالمساواة وتمكين المرأة. 

ففي بلد يُعد من أكثر الاقتصادات تقدمًا في العالم، لا تزال واحدة من أقدم المؤسسات السياسية –وهي المؤسسة الإمبراطورية– خاضعة لقانون يعود إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، يمنع النساء من تولّي العرش، بحسب ما ذكرت وكالة "أسوشيتد برس"، اليوم الثلاثاء. 

ومع اقتراب العائلة الإمبراطورية من أزمة وجودية بسبب قلة الورثة الذكور، تطرح قضية أيكو نفسها بوصفها لحظة فاصلة قد تعيد تعريف دور المرأة في الحياة السياسية والرمزية لليابان، وربما أيضًا في آسيا بأكملها.

أميرة تتحدى النظام الذكوري

تتمتع الأميرة أيكو بشعبية لافتة بين اليابانيين، لدرجة أن هتافات الجماهير باسمها تتجاوز أحيانًا تلك التي توجه لوالديها، الإمبراطور ناروهيتو والإمبراطورة ماساكو. 

هذه الشعبية لم تأتِ فقط من مكانتها الملكية، بل من شخصيتها الهادئة، وتعاطفها الإنساني، وظهورها الذكي والمهذب في المناسبات العامة.

لكن رغم هذا التأييد الشعبي، يمنعها قانون الأسرة الإمبراطورية لعام 1947 من أن تعتلي العرش فقط لأنها امرأة. 

ولا يعكس هذا القانون فقط تمييزًا واضحًا على أساس النوع الاجتماعي، بل يتجاهل أيضًا تاريخًا يثبت أن اليابان عرفت إمبراطورات في الماضي، حيث حكمت ثماني نساء البلاد في فترات مختلفة.

مكانة المرأة بالمجتمع الياباني

قضية أيكو تجاوزت إطار الأسرة الإمبراطورية لتصبح رمزًا لحركة أوسع تطالب بإعادة النظر في مكانة المرأة في المجتمع الياباني. 

ويرى كثيرون أن وجود إمبراطورة على رأس البلاد يمكن أن يكون نقطة تحوّل مهمة في النظرة المجتمعية إلى القيادة النسائية، خاصة في بلد لا تزال فيه النساء يعانين من فجوة كبيرة في الرواتب والتمثيل السياسي والمناصب القيادية.

وتؤكد الناشطة إيكاكو يامازاكي أن الاعتراف بحق أيكو في الخلافة قد يسهم في "تحسين وضع النساء في اليابان بشكل كبير"، مضيفة أن حصر الوراثة بالذكور يعكس عقلية اجتماعية تمييزية تعيق تقدم المرأة.

في هذا السياق، نشط فنانون ومفكرون وصنّاع محتوى على المنصات الرقمية للدفاع عن المساواة، بينما تحوّلت قصة أيكو إلى مادة للنقاش العام، والكتب، والرسوم، والحملات الإلكترونية.

المؤسسة الإمبراطورية ومأزق وجودي

تواجه العائلة الإمبراطورية خطر الانقراض تقريبًا بفعل الانخفاض الشديد في عدد أفرادها المؤهلين للوراثة. 

ومع وجود وريث ذكر واحد فقط من الجيل الجديد، يزداد الضغط على المؤسسات الحاكمة لاتخاذ خطوة جريئة تعيد للنساء حقًا تاريخيًا.

وإذا استمر التمسك بالنظام الذكوري الصارم، فقد تجد اليابان نفسها أمام أزمة دستورية ورمزية، تهدد واحدة من أقدم الملكيات في العالم، والتي استمرت لأكثر من 1500 عام.

الأبرز في المشهد أن هذه الأزمة لا تتعلق فقط ببقاء العائلة الإمبراطورية، بل بمدى قدرة النظام السياسي الياباني على التكيف مع معايير حقوق الإنسان والمساواة التي يطالب بها المجتمع الدولي.

مواجهة "الهوية الوطنية"

رحّبت منظمات دولية، من بينها لجنة الأمم المتحدة لحقوق المرأة، بأي تحرك نحو إدراج النساء في نظام الخلافة، معتبرة أن منع المرأة من الوصول إلى العرش يمثل انتهاكًا لمبدأ المساواة.

غير أن السلطات اليابانية ردّت بأن النظام الإمبراطوري جزء أساسي من الهوية الوطنية، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤل أوسع: هل يمكن استخدام "حماية الهوية" كمبرر لمواصلة التمييز؟

هذا الجدل يضع اليابان أمام اختبار حقيقي بين المحافظة على صورة حديثة تحترم الحقوق من جهة، والاستمرار في قوانين تعود إلى سياق تاريخي لم يعد يتناسب مع واقع القرن الحادي والعشرين من جهة أخرى.

جيل جديد من النساء

رغم التزامها بالصمت السياسي، تدرك الأميرة أيكو حجم الأزمة التي تواجه العائلة الإمبراطورية. وهي تؤكد أن ما تستطيع فعله حاليًا هو أداء واجباتها بجدية ومساندة والديها. 

لكن مجرد وجودها، وتأثيرها الهادئ، يشكّل بحد ذاته رسالة قوية للفتيات اليابانيات: أن المرأة، حتى وإن كُبلت بالقوانين، تستطيع أن تصبح صوتًا للتغيير ورمزًا للأمل.

وتكشف قضية الأميرة أيكو عن معركة تتجاوز العرش لتصل إلى جوهر حقوق المرأة في المجتمع الياباني. 

وبين ضغط الواقع الديموغرافي، وصوت الشارع المتزايد، وتوصيات المؤسسات الحقوقية، قد يصبح تمكين أيكو من وراثة العرش لحظة مفصلية تُعيد رسم علاقة اليابان بالمرأة، لا كمجرد عنصر تابع للتقاليد، بل كقائدة قادرة على صناعة التاريخ من جديد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية